الله في السماء ، والأمل في الأرض ، وبين الروح المُؤاسي ، ومَددَ الرجاء
الآسي
تندمل الجفون القريحة ، وتلتئم القلوبُ الجريحة ، وتنتعش الجُدودُ العاثرة .
الكروان يموت فَرْخُه في المساء ، في الصباح يرقص ويَصْدَح ، والشاة يُذبح حمْلُها
في الحظيرة ، وفي المروج تثغو وتمرح ، والقلب يُقطع من القلب والرُّوح تُنزع
من الروح ، ثم يعيش المُحِبُ بعد حبيبه ، والوالد بعد ولده ، كما يعيش النهر
الناضب في ارتقاب الفيَضان ، والروض الذابل في انتظار الربيع ..
لله على الناس نعمتان لا يطيب بدونهما العيش ، ولا يَبلغ إلا عليهما العُمْرُ : النسيان
والأمل ..
ماذا كان يصنع الأسى بالقلوب الوالهة إذا لم يمح النسيان من الذهن صورة الحبيب
الراحل أو الهاجر ؟ تأمَّل حالك يوم فجعك الموت في عزيز عليك ، أما كنت تجد
لهيب الحزن متصلاً يوقد صدرك من غير خُبُوَ، ، ويذيب حشاكَ من غير هُدْنَةٍ ؟
تصوَّر دوام هذه النار على نياط القلب وأعصاب الجسد ، ثم قَدَِّر في نفسك الحياة
على هذه الصورة ، على أنها والحمد لله لا تدوم ، فإن الجبار الذي سَلَّطَ الألم على
الروح ، وهو الرءوف الذي سَلط الزمن على الألم ، فالزمن لا ينفك يسحب ذيول
الأيام والليالي ، على الصور والآثار حتى تنطمس المشابهة ،وتعفو الرسوم ، ولا
يبقى من المفقود إلا صورة لا تنطق ، ولا من الجرح إلا ندبة لا تحس .
وماذا كان يفعل اليأس بالنفوس المكروبة إذا لم يفتح الأمل أمامها فرجة في الأفق
المُطْبق ،وفسحة من الغد المجهول ؟
يا ويلتا للفقير يعتقد أن فقره يدوم بدوام الحياة ، وللمريض يرى أن مرضه ينتهي
بانتهاء الأجل ، ويا بؤسى للحياة إذا لم يقل المأزوم والمحروم والعاجز :
إذا كان اليوم قنوط ، ففي الغد رجاء ،وإذا لم تكن لي الأرض ،
فستكون لي السماء !..))
منقول أعجبني لأحمد حسن الزيات