تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » مظاهر الرحمة الإلهيّة -اسلاميات

مظاهر الرحمة الإلهيّة -اسلاميات 2024.

مظاهر الرحمة الإلهيّة

لما كانت الرحمة الإلهية كثيرة واسعة فإنّ مظاهرها كثيرة واسعة أيضاً، وإذا كنّا نشير إلى بعضها هنا، فلمجرد التذكير وليس الحصر، فرحمته سبحانه وتعالى كنعمه لا تعدّ ولا تحصى:

– فمن رحمته تعالى أنّه فتح باباً لنا أسماه (التوبة) وفي الدعاء: "فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه؟!".

فأنا أذنب وأتوب وأستغفر فأجد الله تواباً رحيماً، ومَنْ تاب تابَ الله عليه، وقيل له: استأنف العمل، أي أبدأ من جديد، والتوبة- كما هو معلوم- هي النصوح التي لا نعود فيها إلى ممارسة الذنب، وحتى لو تبنا وأخطأنا ثمّ عدنا لرأينا الباب مفتوحاً، لكننا يجب أن لا ننسى أنّ الإصرار على الصغيرة كبيرة.

– ومن رحمته تعالى (حلمه) أي أنّه يعاجلنا بالعقوبة على أعمالنا، فهو يمهلنا ويفسح لنا المجال، ويتيح لنا الفرصة تلو الأخرى للاستغفار والتوبة والعودة إلى الطريق الصحيح. وفي الدعاء: "فلم أرَ مولىً كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليَّ يا ربّ، أنّك تدعوني فأوليَّ عنك، وتتحبّبُ إلي فابتغّضُ إليك، وتتودّد إلىَّ فلا أقبل منك كأنّ لي التطوّل عليك، ثمّ لم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليَّ والتفضّل عليَّ بجودك وكرمك، فارحم عبدك الجاهل، وجد عليه بفضل إحسانك، إنّك جواد كريم".

– ومن رحمته (المداولة) فليس هناك شيء ثابت من المحن والآلام والمصائب والأسقام والنوائب والكوارث والانكسارات والهزائم (وتلك الأيام نداولها بين الناس) (آل عمران/140). فلو كان المرض بلا شفاء، والألم بلا زوال، والمصيبة بلا تهوين، والكارثة مقيمة لاتبرح، لكنّا عشنا حياة سوداء مظلمة خانقة مدعاة لليأس والإحباط والتبرم.

– ومن رحمته تعالى المكافأة على أدنى عمل بشرط أن يكون خالصاً لوجهه الكريم، فإذا قلت قولاً أو عملت عملاً طلباً لمرضاته أعطاك ما لا يخطر على بال.

إنّ أقراصاً من خبز الشعير يتطوّع بهاعليّ بن أبي طالب وزوجته ابنة النبي فاطمة ليتيم ومسكين وأسير لوجه الله يجازيهم عنها الله (جنّة وحريرا) ويلقّيهم نضرةً وسروراً في يوم الفزع الأكبر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم : "اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة"، تتصدّقون بها على فقير، أو تفطّرون بها صائماً، أو تطعمونها لحيوان أو طير جائع.

وعنه صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة"، فحتى الفقراء والمساكين بإمكانهم أن يتصدّقوا، فليست الصدقة بالمال فقط، بل بالكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وكلمة الحق والصدق وزرع الأمل وحسن الظنّ بالله والترغيب برحمته والتثبيت على شريعته ومنهجه. ولذا قيل: لا تحقرنّ من المعروف شيئاً" مهما صغر في نظرك أو نظر الآخرين، وقيل أيضاً: "لا تستح من القليل فإنّ الحرمان أقلّ منه".

بل الأجر- عند الله- حتى على النيّة الحسنة، فإذا نويت القيام بعمل صالح وحبسك عنه العذر، وأقعدتك عن القيام به الظروف والموانع، فأن مثاب عليه.

– ومن رحمته تعالى مضاعفة الأجر أضعافاً كثيرة، وإليك بعض الأمثلة:

أ‌. الواحد بعشرة: (مَنْ جاء بالحسنة فله عشرُ أمثالها، ومَنْ جاء بالسيِّئة فلا يجزي إلا مثلها) [الأنعام: 160].

ب‌. الواحد بسبعمائة: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) [البقرة: 261].
وقاد ضاعف الله العطاء في أوقات وأمكنة معيّنة، كشهر رمضان وليلة القدر وليالي الجمع، وأيام الجمع، وأوقات الصلاة، والأماكن المقدّسة. وكلّ ذلك دليل الرحمة بالإنسان واللطف به.

– اقتران (اليسر) بـ (العسر): فليس هناك شيء يقال عنه أنّه عسر مطلق، فلابدّ أن يكون ثمة يسر ولطف ورحمة قد لا نتبيّنها في حينها، فهي كالشمس في يوم غائم، تلوح من بين شقوق الغيم آناً فآناً. وذلك مما يشرح الصدر ويريح الكاهل ويخفف من اضطراب النفس وقلقها: (فإنّ مع العسر يسراً* إنّ مع العسر يسرا) [الانشراح: 5- 6]. ومن اللافت هنا أنّ التكرار لتأكيد الملازمة والارتباط الوثيق بين اليسر وبين العسر.

– ومن مظاهر رحمته تعالى استجابته للدعاء وطلبات الناس المحتاجين والمضطرين، وهو وعد غير مكذوب، يقول تبارك وتعالى: (أدعوني أستجب لكم) [غافر: 60]، ويقول: (وإذا سألك عبادي عنِّي فإنَّي قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) [البقرة: 186]، ويقول: (أمّن يُجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السُّوء) [النمل: 62].

– ومن رحمته أن لا يهتك الستر والسريرة، فلا يفضحنا رغم إحاطته علماً بكل سيِّئات أعمالنا وذنوبنا، ولو شاء لفعل، إنّه يضرب بين عيوبنا وآثامنا وبين الناس ستراً فلا يعرفون ما نحن فيه من معاصي، بل ويدعوهم إلى الستر أيضاً، فهو ستّار ويحبّ الساترين، وفي الحديث: "مَنْ تتبّع عثرات الناس فضحه الله ولو في جوف داره".

– ومن رحمته إنزال الفرج والمخرج في أوقات الضيق وساعات العسرة وانسداد الأبواب والآفاق (ومَنْ يتّق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق: 5- 6].

لقد أنقذ يوسف من محنته حينما دعي من قبل النسوة إلى ممارسة الفحشاء (وإلا تصرف عنِّي كيدهن أصبُ إليهنّ وأكن من الجاهلين* فاستجاب له ربُّه فصرف عنه كيدهنّ إنّه هو السّميع العليم) [يوسف: 33- 34].

وأنقذ (مريم) من ألسنة المتقوّلين عليها حينما حملت بعيسى المسيح .

وأنقذ (أمّ موسى) من خوفها الشديد على وليدها الذي ألقته في صندوق في النهر، بأن ربط على قلبها ووعدها بإرجاعه إليها.
وأنقذ (يونس) من بطن الحوت الذي التقمه.

والإنقاذ ليس حصراً على الأنبياء والرسل بل لكلّ إنسان مؤمن صالح، أما ترى قوله تعالى بعدما أنقذ يونس كيف يطمئن المؤمنين أنّ رحمته ستشملهم أيضاً (فنجّيناه من الغمّ وكذلك نجي المؤمنين) [الأنبياء: 88].

– ومن رحمته أنّه أخفى ساعة ومكان وكيفية موتنا (وما تدري نفس بأيّ أرض تموت) [لقمان: 34] حتى لا يشغلنا ذلك عن ممارسة حياتنا ومسؤولياتنا، أو يشلّ قدرتنا على التعاطي مع الحياة بإيجابية. وقد يكون من الخطأ الذي يرتكبه بعض الأطبّاء إخبار مرضاهم بمواعيد وفياتهم، فعلاوة على أنّ الأجل بيد الله وهو وحده العارف به متى؟ وأين؟ وكيف؟ وبالإضافة إلى أنّ علامات بعض المرضى قد تدلّل على قرب الوفاة، إلا أنّ التعلق بحبل الأمل وطوق والنجاة يجب أن لا يعدم في أيّة لحظة من لحظات حياتنا مهما كانت عصيبة، وما يدرينا فقد يكتب الله لمن يئس طبيبهُ من حياته حياة أخرى، وكم فتح الأمل بالرحمة أبواباً كانت موصدة، وكم عجّل اليأس بقتل الناس والقضاء عليهم قبل فوات الأوان.

لقد قضى بعض عمّال المناجم عشرة أيام في منجم تحت الأرض بعد تسرّب الماء إليه، ورغم الاختناق والرطوبة وانقطاع الماء والطعام، إلا أنّ رحمة الله أدركتهم ونجوا جميعاً.

– ومن مظاهر رحمته إرسال الأنبياء والرسل والكتب حتى يقودوا البشرية إلى ما فيه صلاحها وسعادتها وخيرها ومرضاة الله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107].

ولولا ما جاء به الأنبياء وخاصة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لكنّا نعيش الجاهلية إلى اليوم، ولكنّا في أتعس حال من البؤس والضلال والمآسي، ولانتهينا إلى أسوأ مآل.

أنّ رحمة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم لم تنته برحيله فلقد ترك فينا كتاب الله الذي هو دستورنا الحياتيّ، وترك لنا سنّته المطهّرة وأوصانا باتباع أهل بيته صلى الله عليه وسلم الأدلاء على القرآن وعلى السنّة، فكانوا الرحمة الممتدة من بعده.

– ومن رحمته تعالى أنّه لايكلفنا فوق ما نطيق (لا يكلَّف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] فما من تكليف أو فريضة إلا وهي مندرجة ضمن طاقة الإنسان المكلف وقدرته واستطاعته، فإذا خرج التكليف عن ذلك رفع القلم عنه، أو خفِّف التكليف عنه، فالذي لا يستطيع الصلاة عن قيام يمكنه أداؤها من جلوس، والذي لا يمكن أن يتوضّأ- لسبب أو لآخر- فإن بإمكانه التيمم، ومَنْ لا قدرة مالية لديه سقط عنه تكليف الحج ، ومَنْ كان أعمى أو مريضاً أو أعرج فلا حرج عليه، فإن بعض التكاليف تسقط تماماً، وإن بعضها يمكن تأجيله فيقضى في وقت لاحق، وبعضها قابل للتخفيف، وكل ذلك آيات رحمة ولطف وتقدير للطاقة ووضع التكاليف بحسب الوسع والاستطاعة.

– ومن رحمته تعالى أن علّمنا القراءة (إقرأ باسم ربّك الذي خلق) [العلق: 1] كما علّمنا الكتابة (إقرأ وربّك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم) [العلق: 3- 5]. وهو يربط بين تعليمنا القراءة والكتابة وبين رحمته فيعتبر ذلك- كما هو واقع الحال- دليلاً على الرحمة: (الرّحمن* علّم القرآن* خلق الإنسان* علّمه البيان) [الرّحمن: 1- 4]. وتعليم القراءة والكتابة لنا يعني ايداعه إمكانية ذلك في نفوسنا وعقولنا وألسنتنا وجوارحنا.

فلولا الكتابة والتدوين لضاع التأريخ واندثر التراث وسير الأوّلين وانطمست الحضارات، ولكان على كلّ جيل أن يبدأ من الصفر، ولا نعدم الرقيّ كحلقات متسلسلة.

ط®ظ„ظٹط¬ظٹط©

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.