كرب الإحراق على الصراط
تكمن خطورة المرور على الصراط؛ أنه على قدر عملك سيكون قدر مرورك عليه، فأعمالك الصالحة هي التي ستحدد مقدار سرعتك عليه، فهي وقودك ومطيتك عليه؛ لأنها هي التي تجري بك في طريق شاق ومرعب طوله كما رُوي عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه مسيرة خمسة عشر ألف سنة ( ).
فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ منها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كَحُضْرِ الْفَرَسِ –أي كجري الفرس – ثم كالراكب في رحله ثم كَشَدِّ الرَّجُلِ ثم كمشيه) ( ).
لذا فإن كثرة الأعمال الصالحة تزيد من سرعتك واجتيازك للصراط بسلام، وأن الناس ستتفاوت سرعاتهم على الصراط تبعا لمراتبهم وتفاوت أعمالهم الصالحة، فلماذا سيجيء الرجل يوم القيامة على الصراط فلا يستطيع السير إلا زحفا؟ أليس لقلة عمله، ولانتهاء وقوده الذي يدفعه إلى الإمام، ولعدم مسابقته في الدنيا في الخيرات؟ بينما تراه سابق على حطام الدنيا وجاهد نفسه على ذلك، ونسي أو غفل عن الآخرة.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: (…. فيمر أولكم كالبرق كيف يمر ويرجع طرفة عين، ثم كالريح، ثم كالطير، وشد الرجال – أي الركض – تجري بهم أعمالهم حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ ما أمرت به، فمخدوش ناج ومكدوس في النار، والذي نفسُ أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا) ( ).
فالمرء لن يجري على الصراط بحوله وقوته واختياره، وإنما يجري به عمله، وتفكر بالذي سيمر على الصراط
والنار أسفل منه؛ يصله لهيبها وسمومها، فمتى سيقطع هذا الصراط؟ وكم سيعاني من رؤية جهنم وحرها الذي يزيد على حر نار الدنيا سبعين ضعفا، وفي رواية مائة ضعف.
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: (ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم)، قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: (فُضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها) ( )، وعنه أيضا أن النبي قال: (هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم) ( ).
تفكر في إنسان يمر طريقا مشتعلا بالنار إما ماشيا أو بسرعة البرق، فهل يحس بهذه النار لو كان من الصنف الثاني؟ فكيف لو كان يزحف زحفا أو يُسحب سحبا؟ وكيف لو كان ذلك كذلك، ولكن فوق نار جهنم التي علمت قدر حرها ؟
فعن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: (… ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم)، قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: (مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا….) ( ).
وعن حذيفة قال: قال رسول الله : (….فيأتون محمدا فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولكم كالبرق)، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: (ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا)، قال: (وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا) ( ).
لماذا تعجز أعمال العباد على الصراط؟
تفكر في حال من ستعجز أعماله عن الجريان به، ولماذا ستعجز يا ترى؟ أليس لأنه ما استغل عمره في مرضاة الله؟ وإنما جاء ببضاعة مزجاة من عمل صالح قليل وآخر سيئ كثير؟
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى في قول النبي (حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا) أي: الرجل لضعف عمله وتقاعده عن السبق في الدنيا اهـ ( ).
أبعد هذا يجرأ أحدنا على إضاعة وقته وتسويف توبته، وأمامنا عقبات وكرب وأهوال؛ لا يكون الخلاص منها سوى الرجوع إلى الله تبارك وتعالى والإكثار من الأعمال الصالحة والحمية من الذنوب!
إن الأعمال الصالحة هي مطايانا على الصراط، فالمسارعة على الصراط ستكون بالعمل الصالح فحسب، وليس بالجاه والمال والنسب.
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة …. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) ( ).
الناس في الدنيا يحرصون على وسائل النقل السريعة للتنقل في أسفارهم، ولو أدى ببعضهم دفع مبالغ باهضة، فترى أحدهم يفضل السفر إلى البلد البعيد بالطائرة رغم ارتفاع تذكرتها عن السفر بالحافلة أو السيارة، ليس إلا رغبة في الوصول بأسرع ما يمكن؛ ولئلا يصيبه عناء السفر، أليس أولى بالمسلم أن يجاهد نفسه في الدنيا بالإكثار من الأعمال الصالحة كي يجتاز هذا الصراط بأسرع ما يمكن؟ فإنه طريق ليس مفروشا بالورود والمناظر الخلابة، وإنما طريق مزلة، كله كلاليب وأهوال وعذاب وتحريق.
قال عبد الله بن مسعود : يأمر الله بالصراط، فيضرب على جهنم، فيمرُّ الناسُ على قدر أعمالهم زُمَرا زُمَرا، أوائلهم كلمح البرق، ثم كمرِّ الريح، ثم كمر الطير، ثم كمر البهائم، حتى يمر الرجلُ سعيا، وحتى يمر الرجل مشيا، حتى يمر آخرهم يتلبَّط على بطنه فيقول: يا رب لِمَ بطَّأت بي؟ فيقول: إني لم أُبطئ بك، إنما بطَّأ بك عملك ( ).
وهذا مصداق ما رواه أبو ذر عن النبي فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال (…. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أُوَفِّيكُمْ إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نفسه)
عذاب المتباطئ على الصراط
إن المتباطئين عن طاعة الله عز وجل، سيدفعون ثمن تباطئهم على الصراط، وثمن استهتارهم بمن نصحهم للاستجابة لله ورسوله بمرورهم عليه مرورا بطيئا، والإبطاء على الصراط -لقلة الأعمال الصالحة- سيتخلله لونين من العذاب:
الأول: لفح النار للمتباطئ أثناء مروره عليه.
فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال: (…. والصراط كحد السيف دحض مزلة، قال: فيمرون على قدر نورهم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرجل ويرمل رملا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدميه، تخر يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، فتصيب جوانبه النار) ( ).
والثاني: خدش الجسد أو تقطيعه بالكلاليب المعلقة كتقطيع اللحم.
فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: (…. فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذٍ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، لا يعلم قدر عِظَمِها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يُوبقُ بعمله – أي يهلك -، ومنهم من يخردل، ثم ينجو….) ( ).
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى: يُخردَل أي: يصرع أو يقطع قطعا كالخردلة، والمخردل: المقطع، تقطعه كلاليب الصراط ثم ينجو اهـ ( ).
وقال أبو إسحاق رحمه الله تعالى: المخردل هو المرمي المصروع، وقيل المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار، يقال: خردلت اللحم بالدال والذال أي فصلت أعضاءه وقطعته اهـ ( ).
مشكوره أختي
*****