ان من محاسن الإسلام – وكل ما في الإسلام حسن – أنه نهى عن البغي وحذر منه قال تعالى : "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ" [النحل: 90] .
والبغي يرجع معناه إلى تجاوز حد الاقتصاد فيما يُتحرى، وينطبق ذلك على الظلم والاستطالة على الناس والإيقاع بهم، والإفساد في الأرض والحسد والاستعلاء على الناس؛ كل ذلك من البغي المحرم الذي هو من كبائر الذنوب .
وأخبر تعالى أن البغي يرجع على صاحبه بالنكال والخسران في الدنيا والآخرة. قال تعالى : "فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ" [يونس: 23]، وقلما ينجو الباغي بفعلته ولذلك قيل: على الباغي تدور الدوائر .
وقيل : البغي مرتعه وخيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» "رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح" .
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن البغي هو نهاية الفساد فقال : «سيصيب أمتي داء الأمم»، فقالوا : يا رسول الله ! وما داء الأمم ؟ قال : «الأشر والبطر، والتكاثر، والتناجش في الدنيا، والتباغض، والتحاسد، حتى يكون البغي» [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي] .
ولكن ماذا على المظلوم الذي بغي عليه، كيف يتصرف ؟ أخبر القرآن أنه إن استطاع أن يأخذ حقه، وينتصف من ظالمه بقدر مظلمته فليفعل ولا حرج عليه في ذلك قال تعالى : "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" [الشورى: 39] ولا ريب أن الدولة مسؤولة عن إنصاف المظلومين ورفع الظلم عنهم، وما دام هناك حكومة ومحاكم وجهات قضائية، فلا يجوز للأفراد أن يتولوا تنفيذ الأحكام بأنفسهم، وإنما لا بد من الرجوع للقضاء والتحاكم إلى شرع الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة .
وإذا لم يستطع المظلوم أخذ حقه في الدنيا فليصبر فإن عاقبة الصبر حميدة، وعاقبة البغي شنيعة ، قال تعالى : "ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ" [الحج: 60] .
قال عبد الله بن أشهب التميمي : كانوا يقفون في الجاهلية بالموقف فيسمعون صوتًا من الجبل يقول :
البغي يصرع أهله ويحثهم المذلة والمعاطس رغم
واحسن اليك
وجزاكِ خيـر الجزاء …