بسم الله الرحمنِ الرّحيم
مدخَل :
{ يَانِساءْ تَصّدقنْ فإنّي رأيتُكنّ أكثَر أهلِ النّار } ..؛
*
*
اجتمعتُ بكمْ في موضوعِي الأول بعنوان :
][ جنّـة & نـار ][ ~ ][ رضـا & سخـط ][ -1- ..
وكان حديثُنا عنْ الجنّة .. وذكرنا بعضاً من نعيمها ..
نسأل اللهَ أن نكُون من أهلها ..
وحَديثُنا بإذن اللهِ هذه المرّة سيكونُ بعضِ صفاتِ النّار ..
نسأل الله أنْ يقينَا منهاَ
*
*
قال اللهُ عزّ وجلّ في محكمِ آياتهْ : {كُلّ نَفسٍ ذَائِقَة المَوتْ وإنّمَا تُوفّونَ أجُورَكمْ يَومَ القِيامَة فمنْ زُحزِحَ عنِ النّار وأدخِل الجنّة فقدْ فازْ ومَا الحَياةُ الدّنيا إلاّ مَتاعُ الغُرورْ} [ آل عمران – 185 ]
المَوتُ حقٌ عَلى كُل إنسانٍ مسلمٍ أو مُلحدْ .. ولكنّ السؤال الذّي يُطرحْ ؛ ماذا بَعد الموتْ ..؟!
الحشر .؟ الحساب .؟ ثمّ ماذا ..؟!
إمّا إلى جنّة طاب نعِيمها ؛ وإمّا إلى نارٍ تأججّ لَهيبُها ..
وأيّ إنسانٍ عاقلٍ مسلمٍ واعٍ سيختار الطّريق الأول الذي يُوصل إلى السّعادة الأبديّة التِي لا يَرى فيها إلاّ كُل خير وكُل سعادَة ..
ولكنّ الطّريق الآخر الذي يسلكُه الكَثير بلا وَعي وبلا يَقظَة ؛ الطّريق الذي يُوصل إلى النّارِ وإلى العذَابِ وإلى السخَطْ ..
*
*
النّار ..
مَصير الكافرينَ الملحدين ..
النّار ..
دَليل سَخط العظيمِ الجبّار ..
خَلقها اللهُ عزّ وجل ليعذّبَ بِها من عصاهْ وأبى المُضي في الطّريقِ الحقْ ..
-1-
قال اللهُ عزّ وجل : { نَاراً وَقُودهَا النّاسُ والحِجارَة * عَليهَا ملائكَة غِلاظٌ شِدادْ * لا يَعصُونَ اللهَ مَا أمَرهمْ ويَفعَلونَ ما يُؤمَرونْ }
في الآيَة الكَريمة السابِقَة وصَف اللهُ تعالى ممّ تُسعّر النار ؟
من حجارَة وقَال بعضُ المفسّرينْ أنّ المقصُون هُنا بالحجارَة هِي حجارَة الكبريتْ لاشتعَالها السّريعْ ؛ ووقُودها أيضاً الناسْ ( الكافرين والعُصاة ) ..
وخزنتُها ملائكَة من صِفاتهمْ : غِلاظٌ في الأفعالِ شِدادٌ في الأقوالْ .
لا يَعصونَ اللهَ عزّ وجلّ فيما أمرهمْ بهِ من عذابٍ لأهلِها – النّار – ويَفعَلونَ ما يؤمَرونْ ..
واسمُ خازِنِ النّارِ ( مالكْ ) واستُدلّ عَلى ذلكَ من قَوله تَعالى :
{ وَقَالُوا يََا مَالِكُ لِيقْضِ عَلَينَا رَبّكْ قَالَ إنّكمْ ماكِثُونْ }
ومنْ الأحاديثِ التّي وَردتْ في عّذابِ النّار ..
قَولهُ صَلى الله ُعليهِ وسلّم : " إنّ أهْوَنَ أهلِ النّارِ عَذاباً منْ لَهُ نَعلانِ وشراكَانْ مِنْ نارٍ يَغلِي بهمَا دماغَه كَما يَغلِي المرجل مايرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً) رواه مسلم .
نَعوذُ باللهِ منْ النّار ..!
فإذَا كانَ هَذا العَذابُ هُو أهَونُه ؛ فَكيف بالشّديدْ ..؟!
وممّا رُويَ أنّ منْ أصحابِ هذا العَذاب : عمّ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمِ [ أبِي طالبْ ] وقدْ خُفّف العذابْ عَنهُ لمنَاصرتِه للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاعه عنه وعِلمهِ بصدق النّبوّة والرسالَة التي جاء بها المصطفى صلوات ربّي وسلامُه عَليه ..
ولكنّ بقائه عَلى الشركْ جَعلهُ من أهلِ النّار ..
قال ابن الجوزي في وصف النار:( هي دار خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والاسعاد، بُدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنُهم دائم فلا يفرحون، مقامهم دائم فلايبرحون أبد الآباد، عليها ملائكة غلاظ شداد، توبيخهم أعظم من العذاب، تأسفهم أقوى من المصاب، يبكون على تضييع أوقات الشباب وكلما جاد البكاء زاد، عليها ملائكة غلاظشداد، يا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، أينكسبهم للحطام؟ أين سعيهم في اللآثام؟ أين تتبعهم لزلات الأنام؟ كأنه أضغاث أحلام،ثم أحرقت تلك الأجساد، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد )
نَسأل اللهَ السّلامَة والعَافيَة منهَا ..
*
*
-2-
{ وَيوْمَ تَقُومُ السّاعَة يُقسِمُ المجْرِمُونَ مَالَبثُوا غَيرَ سَاعَة كذَلكَ كَانُوا يُؤفَكُونْ }
يَومَ يَرى المجرمُون بطلَ ديانتهم وعقائدهمْ . .
فهاهمْ قَد بُعثُوا بَعد مَوتهم .
وأخرِجوا مِنْ قُبورهمْ ..
وَأتِيَ بهمْ إلى الحِسابِ ومنْ ثمّ إلى العذابْ ..
يقسمُونَ أنّه لمْ يأتهمْ رَسُول ولا نَبيْ ..
{ يَاأهْلَ الكِتَابِ قدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبيّنُ لَكمْ عَلى فَترةٍ منْ الرّسلْ أنْ تَقُولوا مَاجاءنَا منْ بَشيرٍ ولاَ نَذيرْ فقدْ جاءكُمْ بَشيرٌ ونَذِير واللهُ عَلى كُل قَدير } [ المائدة – 19 ]
جاءكمْ وأُرسلَ إليكمْ البَشير الذي يُبشّركمْ بالجنَة إنْ أطعتم ..
وينذركمْ ويحذّركمْ بالنّار إنْ عَصيتمْ ..
وأنزّل الكِتابَ لئلاّ يكُونُ لديهمْ حُجّة ..
قالَ تعَالَى : { لئلاّ يَكونَ للنّاسِ عَلى اللهِ حُجّة بَعدَ الرّسلْ }
ولكنّكمْ اخترتمْ طَريق العصيانِ والكُفرْ فَسيكُونُ هذا مَصيركمْ ..
*
*
-3-
درجات عذابِ النّار
الدّرك الأوّل :
يُسمّى جهنّم لأنّه يجهمُ في وجوهِ الّرجال والنّساءْ فيأكلُ لحومَهم وهُو أهوَنُ عذاباً منْ غَيرهْ ..
الدّرك الثّانِي :
ويُسمّى لظّى لأنها آكلةُ اليدانِ والرّجلانْ تدعُو من أدبَر عنْ التّوحيدِ وتولّى عن ما أتَى به الرسُول الكَريم ..
الدّرك الثالث :
يُقال له سقَر ؛ وإنمّا سُمي سقر لأنه يأكل اللحمَ دونَ العظم .
الدّرك الرّابع :
يقال له الحطمَة لأنها تحطم العظامْ وتحرق الأفئدَة وترمِي بشررٍ كالقَصر { إنّها تَرمِي بشررٍ كالقَصر } فتطلع الشرر إلى السّماء ثم ّتنزل فتحرِق وجوههم وأيديهمْ فيبكون الدّمع حتّى ينفذ ثمّ يبكون الدماءَ حتَى تنفذْ ثمّ يبكُونَ القيحَ حتّى ينفذ ..
الدّرك الخامس :
يُقال له الجحيمْ وإنمّا سمي بذلك لأنه عظيم الجمرَة ، والجمرَة الواحدَة أعظَمُ من الدّنيا .
الدّرك السادس :
يقال له السعير سمي هكذا لأنه يسعر فيه ثلاثمائة قصر في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت ثلاثمائة لون من العذابْ وفيهِ حيّات – ثعابين – وعَقاربْ وقيودٌ سلاسلْ وأغلالْ ، وَفيه باب الحزنِ ليس في النار عذابٌ أشدّ منه إذا فُتح باب ُالحزنْ حزنَ أهل النّار حزناً شَديداً .
الدّرك السابع :
يقال له الهاوية من وقع فيه لم يخرج أبداً وفيه بئر الهباب يخرج منه نار تستعيذ منها النار؛ وفيه الذين قال اللهُ فيهم : { سأُرهِقُهُ صَعُوداً } ، وهُو جبل من نار يوضع أعداء الله وجوههمْ عَلى ذلك الجَبل مغلولَة أيديهم إلى أعناقِهمْ ، مجموعَة أعناقهمْ إلى أقدامهمْ ، الزابانية وقوفُ عَلى رؤوسهمْ بأيديهمْ مقامع من حَديد إذا ضُرب أحدهم بالمقمعة ضربَة سمع صوتها الثّقلانْ ..
قال اللهُ تَعالى : { إنّ المُنافِقينَ في الدّركِ الأسفَل من النّار ولنْ تَجدَ لهمْ نَصيراً }
*
*
أوقد عليها ألف عام حتّى احمرّت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة قد مزجت بغضب الله ..
{ يومَ نَقُول لجهنّمَ هَلِ امتلأتِ وتَقولُ هَلْ من مَزيدْ } [ ق ] .
يَومَ يرمِي اللهُ عزّ وجل أفواجاً من البشر العصاة في النّار .. ويسألها تبارَك وتعَالى : هل امتلأتِ ..؟ هل اكتفيتِ ..؟ فتَقول هَل من مَزيدْ ..؟!
حتّى يضَع اللهُ عز وجل قدمَه فيهَا فتقُول : قط قط ..،
عافانا اللهُ جَميعاً ..
*
*
الحَديثُ عنْ النّار يطُول ..
والحديث عن أهوالها وعذابها أيضاً يطول ..
لكنّي اكتفيتُ إلى هاهُنا ..
والآن حانَ وقتكمْ أنتم ..
اكتُبوا سطّروا انقُلوا ما سمعتم أو ما قرأتم عنْها ..
علّ كَلماتكمْ تُوقظ نائماً وتنبّه عاصياً . .
وعلّها تهدِ عاصياً ..
" لإنْ يهدِي اللهُ بكَ رجلاً خَيرٌ لكَ من حُمُر النعمْ " ..
*
*
أسأل الله عز وجل أن يقينا العذاب والعقاب وطول الحساب ..
وأن يدخلنا الجنّة بلا حسابٍ ولا عذاب ..
والسّلامُ عليكم ورحمَة الله وبركاته ..
ونفعنا بمواضيعك
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
مشكورة أختي
جزاك الله خيرا