قال ابن القيم :
" حذارِ حذارِ من أمرين لهما عواقب سوء :
أحدهما : رد الحق لمخالفته هواك ، فإنك تعاقب بتقليب القلب ، وردِّ ما يَرِدُ عليك من الحق رأسا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك. قال تعالى : ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : 110 ] ، فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.
والثاني : التهاون بالأمر إذا حضر وقته ، فإنك إن تهاونت به ثبَّطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك. قال تعالى : ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ [ التوبة : 83 ] ، فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنه السلامة " .
وهذا ما أبكى أبو الدرداء رضي الله عنه عند موته وهو أشهر من عُرِف عنه التفكر وطول التدبر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث ظلَّت آية واحدة عالقة في ذهنه لا تفارقه لحظة حتى عند موته ، وكان مما هداه إليه تدبره : أن هذه الآية هي من أهم ما قرأ ؛ فما تذكر غيرها عند الوفاة ، فعن أم الدرداء أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول : " من يعمل لمثل يومي هذا؟! من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! من يعمل لمثل مضجعي هذا؟! ثم يقول : ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ الأنعام : 110 ] " .
وكأنه رضي الله عنه خشي أن يكون قد قصَّر في قبول الحق من نبينا صلى الله عليه وسلم حين عرضه عليه أول مرة ، وظن أنه لم يأخذه كما ينبغي بأقصى قوة وعزم وبأسرع استجابة من أول لحظة ، فعاتب نفسه على ذلك حتى علا النحيب قبل الرحيل.
وردُّ الدواء يتمثل في عدم تناوله عمدا أو سهوا ، أو تناوله مع عدم المواظبة عليه ، أو الانصراف إلى غيره والتماس الشفاء في ما عداه ، أو الاستخفاف بمفعوله وأثره ، وأي من هذه الآفات كفيل بأن يحول بينك وبين شفائك واستعادة عافيتك الإيمانية.
ولعل مما يعينك على تنفيذ هذه الوصية أن تُنزِل نفسك بمنزلة مريض عُرِض عليه أن يتناول الدواء أياما معدودة لينال عافية الدهر ؛ فهو بمنزلة كسير عليه أن يحتمل مرارة الدواء حينا لتحصل له الصحة الأبدية ، أو بمنزلة الغريق الذي أُلقي إليه طوق النجاة فإن تشبَّث به وإلا صار طعام السمك في قاع البحر ، ويدفعك إلى ذلك دفعا ويذكِّرك به كلما نسيت : بكاء أبي الدرداء ساعة احتضاره!!
أيقن بفاعلية الدواء :عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخي يشتكي بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : اسقه عسلاً ، ثم أتى الثانية فقال : اسقه عسلاً ، ثم أتى الثالثة فقال : اسقه عسلاً ، ثم أتاه فقال : فعلت ، فقال صلى الله عليه وسلم : « صدق الله وكذب بطن أخيك … اسقه عسلاً » ، فسقاه فبرأ .
وإن كان للصحة النفسية دور أساسي في شفاء أي مريض ، فإن الصحة النفسية الإيمانية هنا هي الاطمئنان إلى فاعلية الدواء والتأكد من أنه سيجلب الشفاء ، فكلما نزل الدواء على قلب أكثر يقينا وأكمل ثقة كلما كان أثره أعظم والشفاء أقرب ، وكلما امتلأ القلب بالشك والرِّيَب كان نزول الدواء عليه كنزول الماء بأرض قيعان لا تُمسك الماء ولا تُنبت الكلأ.
لكن لماذا لا نوقن والله سبحانه هو الذي أرشدنا إلى الدواء وحثَّنا عليه؟! وكيف لا نوقن والدواء جرَّبه ملايين الصالحين من قبلنا فوجدوا أعظم الأثر ووصلوا إلى ما ينشدون؟! وحتى متى لا نوقن والوعد وعد رسول الله وهل أوفى من رسول الله؟! والبشارة بالشفاء جاءتنا على لسانه ولا أصدق؟! فوالله لو أيقنتم بشفائكم لاستكثرتم من دوائكم ، ولو انتبهتم من رقادكم لوصلتم إلى مرادكم ، فأعطوا أنفسكم من دوائها ما ستقرؤوه يعطِكم ربكم من شفائه ما طلبتموه ، وإلا تجرَّعتم جرعات الندم على موائد الأسف ، حين ترون أثر الدواء في الدنيا ومفعوله في الآخرة ، وتندمون ندامة الكُسَعِيِّ حين رأت عيناه ما صنعت يداه.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وفي لفظ : إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، أو دواء ، إلا داء واحدا ، قالوا : يا رسول الله ما هو ؟ قال : الهرم قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
طرح قيم جزاك الله كل خير يتوج بالنجوم