السلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
أخواتي……
نعم……لقد خرجت من القبر منذ دقائق… دخلته وحيدًا وخرجت منه وحيدًا…المكان ضيّق ومقفر…
سرت الرعشة في
أوصالي…كنت أرتعش…فالمكان مخيف…والوحدة تكفي لتُشعرك بالرعب.
نعم….خرجت من القبر….خرجت بعدّة انفعالات غريبة…وأهمّها…التوبة…والحرص على فعل
الخيرات وقول الحق…ورفض الباطل..وإنكار الفساد…
خرجت من القبر….وما معي إلا إيماني الكامل بالله- سبحانه وتعالى- ولم يتوقّف لساني عن ذكر الله…والصلاة والسلام على رسوله الكريم- محمّد- صلّى الله عليه وسلّم…
خرجت من القبر إخواني وأخواتي…وسارعت الخطى إلى الجهاز…لأكتب
لكم ما حصل…وما شاهدت ورأيت…وما أحسست…
كالعادة…أذهب إلى المقبرة…فلي هناك ابن عمٍّ فقدته منذ سنتين..فقد راح ضحيّة شابٍّ متهوّر…اصطدم بسيّارته ومات على الفور…واليوم….الذكرى الثانية لوفاته…فقد مات يوم الخميس في الخامس من الشهر الخامس لسنة خمسة وألفين..ولكن الحمد لله..كان شابًًّا زاهدًا عابدًا..ابتعد عن مغريات الحياة…وعكف على كتاب الله وقراءة الكتب الدينية..ولازم المسجد..وتمنّع عن الخروج من المنزل..خوفًا من الوقوع في معصية ولو بالنظر..إرضاءً لربّ العالمين….وقد أدّى فريضة الحج عندما كان طالبًا بالجامعة.
طبعًا لا يهمّني زيارة قبره…بقدر ما يهمّني الدعاء له ولجميع الأموات…والأهمّ هو الاتّعاظ من منظر القبور…والتفكّر بالموت…
وطبعا تعلمون أنّ هناك العديد من القبور المحفورة…التي تنتظر النزيل الجديد…فعند زيارتي للقبور أذهب إليها…وأنزل في
قعرها…وأتفكّر في هذه الحياة الدنيا…وأفكّر في يومي الذي سأكون راقدًا فيه بهذه الحفرة الضيّقة الموحشة
لكن….لأوّل مرّة….أرقد في القبر…فقد كنت دائمًا أجلس به فقط…وأتفكّر……..وأحاسب نفسي…وأفكّر في يوم وفاتي ويوم دفني…هل سأكون سعيدًا في قبري أم شقيًّا…لكنّي رقدت لأول مرة…كما الأموات…ويا لها من تجربة…
لكن تخيّلوا….تمنّيت أن يكون يوم مرقدي في القبر كهذا المرقد…فقد كنت أستطيع رؤية السّماء…وكنت أحسّ بالهواء يدخل إلى الحفرة…وكان الجوّ جميلا…والسكون المخيف أيضًا كان ممتعًا…
والأهمّ من ذلك كلّه…أنّني أستطيع العودة للحياة…أستطيع النهوض..وبإمكاني إعمار هذا المسكن…….بدأت بأذكار المساء…وتلاوة القرآن…ولولا صلاة المغرب لما قمت من مكاني…فقد كنت أنوي تأديب نفسي أكثر وأكثر…وكنت أريد الاستمتاع أكثر بأنّه مايزال لديّ فرصة لتحسين وضعي أمام الله….مازال هناك روح في جسدي…مازلت أقوى على ذكر الله…مازلت أستطيع تأدية الصلاة…مازلت قادرًا على التوبة.
يا الله……أنا حيّ….نعم أنا حيّ…سعيد بأنّي حيّ لأذكر الله أكثر…لأعمل أعمالا صالحة أكثر..لأزيد من حبّي لله وللرسول…وأعامل الناس بطريقة أفضل…
أحبّائي….سامحوني إن ارتكبت أية حماقة أو أغضبت أحدًا منكم…سامحوني…
لقد بكيت كثيرًا عند مغادرتي المقبرة…كم تمنّيت أن يكون قبري مكشوفًا…يدخله الهواء العليل…أسمع منه زقزقة العصافير…وأحرّك لساني بتلاوة القرآن
أريد أن أقول يا أحبّائي…أنّ الوقت كنزٌ للمؤمن..وهنيئًا لمن يستغلّه في طاعة الله…
سامــحوني جميعــكم
رحم الله موتانا وموتى المسلمين جميعًا رحمة عامّة وجعلنا وإيّاهم يا إخوتي من أهل الجنّة
وجعلني وإيّاكم ممّن يكون قبره روضة من رياض الجنّة
اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك
اللهم اجعل قبورنا رياضٍ من رياض الجنه
جزاكِ الله خير اختي زهرة الباحه ورحمنا واياكِ ان شاءالله
جعله في ميزان حسناتك