بقلم (المحبه للرحمن )…
كانت هذه الليلة الأولى لي لصلاة التراويح فقد سكنت هذا الحي قبل أشهر
وكان هذا أول رمضان لي في هذا الحي
حملت سجادتي ومصحفي وخرجتُ من المنزل متجهة إلى المسجد مشيت
عبر حديقة بيتنا إلى الطريق المؤدي إلى المسجد فلفت نظري جارتنا أم عبدالله
وهي ماضية الخطى نحو المسجد يتبعها حفيداتها نهى ومنال لا تتجاوز أعمارهن العاشرة والثامنة وهما يلبسان لبس الصلاة ويجريان حول جدتهما بمرح رفعت يدي ملوحة لها بالسلام وردت بالمقابل السلام وهي تحث حفيدتيها على السرعة عند تجاوز الطريق خوفاً عليهما من السيارات المسرعة
أقتربتُ من المسجد وكان بيني وبينه ممر سيارات ألتفت يساراً فلمحت جارنا أبو سالم يعبر الطريق إلى المسجد وهو منحني الظهر لكبر سنه يتكأ على عصاه
فقلت في نفسي: أين الشباب من هذا الرجل ولم يمنعه كبر سنه من المضي نحو المسجد على قدميه ألتفت يميناً فإذا بي أرى منظر أدهشني !!
رأيت شاباً مقعداً على كرسي متحرك يدفعه رجل هندي ونظرهُ مُعلق بالمسجد
تابعته بنظري حتى دخل المسجد وأنا أقول في نفسي الله يهدي شباب المسلمين ويشفي صاحب هذا الكرسي
دخلت المسجد وكان الشيخ بدأ في صلاة العشاء
كان صوت الشيخ ندياً تخشع القلوب معه سمعت الموجودات يتحدثن عنه بأنه صغير بالسن لا يتجاوز عمره 27 سنة وكان صوته يقارب لصوت الشيخ مشاري العفاسي
بعد الإنتهاء من الصلاة حملت مصحفي وسجادتي وأستعديت للمغادرة ولكن لفت نظري المسجد
كان متسخاً بعض الشي رأيت محارم الورق وعلب المياه ملقاه هنا وهناك تركت ما معي على مكتبة المسجد وبدأت بتنظيف المسجد أنتبهت لي بعض الفتيات وقامن بمساعدتي وأيضاً بعض الخادمات ممن حضرن للصلاة شكرتهن وخرجت وفي طريقي رأيت الشاب المقعد أمامي يتجاوز الطريق مع الهندي الذي كان يدفع الكرسي
واستغربت خروجه متأخر وقلت في نفسي قد يكون بسبب الزحام في المسجد لم يخرج مبكراً
أستمريت في الذهاب للصلاة ولازال يشغل بالي ذالك الشاب المقعد الذي لم يتأخر يوماً عن الصلاة في المسجد وينصرف آخر الناس وفي أحد المرات وأنا في الصلاة تعرفت على امرأة تسكن الحي منذو خمس سنين وقلت في نفسي فرصة اسألها عن الشاب المقعد
قالت لي تقصدين براك أن الناس هنا يضربون به مثال التضحية والصبر
وبدأت تروي لي قصته….
قبل أربع سنين كان براك أحسن شاب بالحي فهو من المحافظين على الصلاة في المسجد بالإضافة لأخلاقه العالية وحسن تعامله مع الناس وكان لديه ثلاثة أطفال وزوجة صالحة
في أحد المرات تعرض براك لحادث أليم أدى إلى دخوله في غيبوبة لسبعة شهور
وعندما صحى من الغيبوبة أكتشف أنه مصاب بالشلل الكامل وليس له علاج
حزن لأمره وطلب زوجته سهام على إنفراد
عندما دخلت عليه زوجته استغربت حزنه وهو ينظر إليها
قال براك : طلبتك يالغلا لأجل أن تختاري بين أمرين:
وأعرف بأنك ستحتارين بينهما ولن أفرض عليكي أي منهما
الأول هو أن تبقي معي أماً لأبنائي وممرضة لي وتتحملي وتصبري معي على الحلو والمر
والثاني هو أن نفترق وتختاري حياتك مع من هو أحسن مني وتكملي معه باقي عمرك ولا يربطني فيكِ إلا الأبناء
وكان هذا رد سهام :
عندما عرفتك عرفت معنى السعادة والوفاء كنت لي الزوج والصديق والحبيب والأب
لم ألقى منك إلا الإحترام والمحبة والتقدير وكنت لي خير زوج ولأبنائك خير أب
وعندما أحتجتني أتخلى عنك لا والله لن أفعل فأنا نصفك الثاني الذي يحمل عنك همومك وأحزانك
فرح براك لردها ووفائِها له
وهكذا عاش براك على معاش المعاق الذي تصرفه له الدولة ولكن سهام لم تبقى مقيدة اليدين
فقد سكنت هي وزوجها الدور الأول واجّرت الدور الثاني وأتخذت من السرداب غرفة وصممت فيها مطبخ وبدأت في صنع الحلويات وبيعها وهكذا وفرت لأبنائها وزوجها مصدر آخر للمال
عندما أنتهت المرأة من قصة براك وجدت دموعي تنزل من شدة التأثر
لم أسمع في حياتي أروع منها
أنتبهت لصوت الشيخ يقيم الصلاة فوقفنا في خشوع نصلي مع الإمام.
أنتهت
وما أعظم صبــر زوجها
ألف شكر لك على نقلك الجميل يعطيك العــآفيهـ حبيبتي
لك ودي + تقييمي
وبأنتظــآر جديــدك..