لاشكَّ أنَّ ظاهرة الحماة ظاهرة اجتماعيَّة لها تأثيراتها المتعددة والمتباينة على العلاقة بين الزوجين، حيث أصبح الغالب على أسرنا العربيَّة توتُّر العلاقة بين الحماة وزوجة الابن, فقد ترسَّخت صورة الحماة السلبيَّة في أذهان الفتيات قبل الزواج بأنَّ الحماة هي ذلك الشبح المتسلِّط الذي يعكِّر صفو الحياة الزوجيَّة ويفرض تدخُّله في كافَّة شؤونها, ولكن هل يزيد كون العريس أو الزوج وحيد الأم من حدَّة التدخُّل والمشاكل؟؟ وهل يصبح العريس الوحيد لأمّه سبباً لرفضه من قِبَل الفتيات في مجتمعنا؟.. وهل تشجِّع الأسر في مجتمعاتنا هذا الرفض؟. العريس وحيد الأم أصبح مسألة تتوقَّف الكثير من الأسر لديها، لذا نقوم بتفنيدها نفسيّاً واجتماعيّاً مع تقديم المقترحات اللازمة من قِبَل المختصين للتعامل مع الابن الوحيد والحماة.
بداية نقدِّم تشخيصاً نفسياً لشخصيَّة الابن الوحيد وأمّه فتقول: "عاطفة الأم في هذه الحالة تكون مركّزة بشكل كليّ على هذا الابن إن كانت لم تنجب غيره من البنات, وحتى مع وجود بنات، فهذا الابن يحتل منزلة خاصَّة عند الأم بفطرتها حتى أنَّها تشعر بأنَّه مُلك لها، لذا تأتيها صدمة عندما تدرك بأنَّ هناك من ستشاركها في هذا الملك، فيتولَّد لديها إحساس بالغيرة الشديدة قد يحوِّلها إلى امرأة مسيطرة تسعى إلى فرض إرادتها على حياته حتى تبقى كما عودته عليها.
أمَّا الابن فإنَّه يكون متعلِّقاً بأمِّه بشكل كبير، مما قد يجعله يطلب من زوجته أن تكون نسخة طبق الأصل عن والدته، وقد يكره بعض تصرُّفاتها كونه نشأ منغلقاً ولم يرى من أمه أو من أخواته البنات- إن وجدن- مثل هذه التصرُّفات".
مشاكل وحلول:
وتخبرنا أستاذة في التمريض: "صادفتني العديد من المشاكل والاستشارات حول هذه القضيَّة، فإحدى الزوجات أخبرتني بأنَّ حماتها تجبر زوجها كلّما اشترى لها شيئاً أن يشتري لأمِّه مثله مهما كان موديله لا يناسبها ولا يناسب سنّها، وآخر أخبرني بأنَّ أمه أجبرته على عدم الزواج حتى لا يتركها أو ينشغل عنها".
وعن الحلول تقول: "في رأيي هذه المشاكل يكون السبب الرئيسيّ فيها هو أنانيَّة الأم، لذا يجب تنبيهها إلى ضرورة التحكُّم في مشاعرها وضبطها حتى تكون قادرة على تربية الابن تربية سليمة متوازنة، فبدلاً من إشعاره بالكبت والخوف عليه، يجب أن تهيئ له جواً من الحرية، وتترك له المجال للاختلاط بأقرانه في العمر سواءً من الأهل أو الجيران أو الأصدقاء حتى يصبح اجتماعيّاً متفاعلاً قادراً على تحمُّل المسؤوليَّة واتخاذ القرار".
الرأي الاجتماعيّ:
وعن الأسباب الاجتماعيَّة والنفسيَّة التي تجعل الفتاة تعيد حساباتها ألف مرَّة قبل القبول بوحيد الأم تقول: "اعتماد أسرته عليه بشكل أساسيّ في شؤونهم المعيشيَّة، وحلِّ كافَّة مشاكلهم، وكذلك تحمّله بعض أعباء الأسرة الماليَّة إذا كانت الأسرة بحاجة لذلك، يشعر الزوجة بأنَّ وقت ومال زوجها ليس مُلكاً لها ولا حتى لأبنائها".
وهناك مشكلة أخرى لا تقل عن الأولى في حال كان هذا الابن له أخوات بنات، حيث من الممكن أن يشعرن بشعور الأم نفسه بأنَّ هناك من أتت لتأخذ منهنَّ أخوهنَّ وسندهنَّ الوحيد، فيتحوَّلن بدورهنَّ إلى حموات ينتقدن الأوضاع، ويتدخَّلن في الأمور الداخليَّة.
وقد تخاف بعض الفتيات من مطالبة وحيد الأم لهنَّ بالإقامة مع أمِّه بحجّة عدم قدرتها على الاستغناء عنه, أو عند وفاة الوالد وزواج الأخوات البنات- إن وجدن- ولاشكَّ أنَّ الإقامة مع الحماة أصبحت مرفوضة اجتماعياً من قِبَل معظم فتيات هذا الجيل؛ لأنَّها مدعاة للعديد من المشاكل.
إضافةً إلى اعتقاد الفتيات بأنَّ وحيد الأم هو شخص مدلل وغير قادر على تحمُّل المسؤوليَّة واتخاذ القرارات، وخوفهنَّ من تدخُّل الحماة في كلِّ صغيرة وكبيرة في حياتهما الزوجيَّة، وكذلك خوف الفتاة وربَّما غيرتها من تعلُّق وحيد الأم بوالدته، الأمر الذي قد يدفعه لأن يصبح أداة ليِّنة في يدها، وقد لا ينصفها إذا حدث خلاف بينهما".
وعن الحلول والاعتبارات التي يجب مراعاتها من أجل إيجاد علاقة اجتماعيَّة موزونة ومرضية بين الأطراف الثلاثة:
أولاً: بالنسبة للزوجة
عليها أن تدرك جيداً حساسيَّة وضع الأم التي قد تغار منها، لذا عليها معاملتها بحنان، ومحاولة كسب ودّها وتفهُّم وجهة نظرها، والتغلُّب على أيّ مشكلة بالتعايش الحسن.
ثانياً: بالنسبة للأم
عليها تقبُّل الوضع الجديد، والحرص على عدم افتعال المشاكل من أجل إسعاد ابنها، وأن تنظر إلى زوجته كابنة لها وحبيبة لابنها وليست عدوة لها، وألا تحاول التدخُّل في شؤون ابنها الخاصَّة حتى لا تتسبب بمشاكل تزعجه.
ثالثاً: بالنسبة للابن
عليه أن يحذر كلّ الحذر من نقل أيّ كلام بين الطَّرفين، كأن ينقل ويحكي مشاكله مع زوجته لأمه، بل عليه أن يمدح كلّ طرف للآخر حتى تبقى الصفحة بينهما بيضاء
ربي يباركلك