هذه رسالة مفتوحة ونصيحة مسداة إلى الأخت المسلمة، الباعث عليها أمران:
الأول: حديث تميم الداري عن رسول الله [[ أنه الدين النصيحة قلنا : لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
الراوي: تميم الداري المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 55
خلاصة حكم المحدث: صحيح
والثاني: ما يلاحظ على بعض الأخوات المسلمات من أمور تخالف هدي الدين في أحكام النساء من جهة، وتنافي آداب طالبة العلم الشرعي من جهة أخرى، ولا يفهم من هذا التنبيه أن كل المسلمات بهذه الصفة، بل إن هناك كثيرا من الأخوات على مستوى رفيع من الدين والأدب والعلم مع حسن السمت وكريم الخلق·والأخت المسلمة تنتظرها مسؤوليات جسام، ويتأمل منها القيام بدور بارز في المجتمع، وقبل بيان ذلك الدور المطلوب، أود أن أقدم بمقدمتين موجزتين بين يدي الموضوع:
المقدمة الأولى: المسؤولية مشتركة:
لقد قرر الشرع المطهر اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية والمسؤولية الدينية:
أما الاشتراك في التكاليف الشرعية: فقد قال تعالى:[وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] {الذاريات:56} وقال:[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ] {النساء:1}،
وقال سبحانه وتعالى:[ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)الأحزاب]، وقال تعالى:[وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ] {التوبة:71} .
وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تؤكد عموم الخطاب الشرعي للمكلفين من الرجال والنساء·
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال
الراوي: عائشة المحدث: الألباني – المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 2863
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ، وقال الخطابي: فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص، مما يؤكد اشتراك الرجال والنساء في التكاليف الشرعية إلا ما استثنى بالدليل·
أما الاشتراك في الحساب والجزاء: فقد قال سبحانه وتعالى:[فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى] {آل عمران:195} ، وقال تعالى:[وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] {النساء:124} .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [:ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية في بيت بعلها وهي مسؤولة عنه ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترمذي – الصفحة أو الرقم: 1705
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته
الراوي: الحسن المحدث: المنذري – المصدر: الترغيب والترهيب – الصفحة أو الرقم: 3/109
خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
مما يقرر بكل وضوح المسؤولية الثابتة والجزاء الحتمي لكل ما يصدر من المكلفين- ذكورا وإناثاً- من خير أو شر·
المقدمة الثانية: الخطورة جسيمة:
فعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله [ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى ، أو فطر ، إلى المصلى ، فمر على النساء ، فقال : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار . فقلن : وبم يا رسول الله ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن . قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل . قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم . قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان دينها .
الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 304
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
وهذا الحديث يبين الخطر العظيم الذي يتهدد النساء بسبب ذنوبهن وتساهلهن في كثير من الأمور، ومن هنا فمسؤولية الأخت المسلمة الداعية مضاعفة، حيث إن عليها أن تزكي نفسها بالصفات الحميدة وموجبات الرحمة والمغفرة مع قيامها بواجبها الدعوي من تحذير أخواتها المسلمات من أسباب الوقوع في النار مما تعلمه النساء من أنفسهن.
أما الدور المطلوب:المسؤوليات التي تنتظر الأخت المسلمة كثيرة ومتنوعة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1- أن تكون متعلمة:
أولى أوليات الأخت المسلمة العناية بالعمل الشرعي لقوله صلى الله عليه وسلم [:من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 183
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وقال: وليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، والمقصود به علم الشريعة إذ إنه الذي وردت في فضله النصوص وحثت على طلبه·
ومن أهم أولويات الأخت المسلمة العناية بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا، وقد كان السابقون يعتنون بالقرآن الكريم حفظا وتجويدا قبل البدء بدراسة العلوم الأخرى، قال ابن أبي حاتم: لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأت القرآن، وقال الوليد بن مسلم: كنا إذا جلسنا عند الأوزاعي فرأى فينا حدثا قال: أي غلام قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم قال: اقرأ: {يوصيكم الله في أولادكم} وإن قال: لا، قال له: تعلم القرآن قبل أن تطلب الحديث·
وقد كان في نساء السلف عالمات فقيهات مثل أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وغيرهن وأم سليم بنت ملحان وزينب بنت أم سلمة ومعاذة العدوية وغيرهن، وممن بعدهن كريمة بنت محمد بن حاتم راوية صحيح البخاري التي رحل إليها أفاضل العلماء وكان لها مجلس بمكة للحديث، وفاطمة بنت علاء الدين السمر قندي من الفقيهات الجليلات أخذ عنها الكثير من الفقهاء·
2- أن تكون عابدة:
زينة العلم والعالم (العمل الصالح)، فالعمل الصالح ثمرة العلم وفائدته، وقد ذم الله تعالى الذين لا يعملون بعلمهم فقال سبحانه وتعالى:[أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ] {البقرة:44}.وقال تعالى:[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ] {الأعراف:175} ، قال المفسرون: في هذه الآية الترغيب في العمل بالعلم وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به وأنه نزل إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه·
وللعبادة معنى واسع فأداء نوافل الصلاة والصيام والصدقة من العبادة، وقراءة القرآن والمحافظة على الذكر والدعاء من العبادة، حسن الخلق وصلة الرحم والقيام بحق الزوج وتربية الأبناء من العبادة، وقد كان في نساء سلف الأمة من العابدات اللاتي يضرب بعبادتهن المثل في قيام الليل وصيام النهار والمداومة على قراءة القرآن والمحافظة على الذكر أناء الليل وأطراف النهار، وهكذا ينبغي أن تكون الأخت المسلمة في حرصها على عمارة وقتها بالطاعة والعبادة لا أن تكون مع الغافلات اللاهيات فقد حذر الله من اتباع الغافلين فقال سبحانه وتعالى:[ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا] {الكهف:28} . وقال: [وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ] {الأعراف:205}.
3- أن تكون داعية:
من بركة الله تعالى على العبد وتوفيقه له أن ييسر له تكميل نفسه وأن يسعى في تكميل غيره، فهذا من قمة التوفيق، ومن أهم واجبات الأخت المسلمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه وظيفة الرسل وأتباع الرسل كما قال تعالى:[قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] {يوسف:108} ، وبعض الناس قد يحصر هذا الواجب في الرجال فقط دون النساء، والواقع أن النصوص الشرعية لم تفرق بينهما في وجوب القيام بهذه الفريضة، كما أن التاريخ يشهد بقيام طائفة كبيرة من النساء بالدعوة إلى الله تعالى وكان لهن الفضل العظيم في هداية من دعونه، فهذه أم سليم تعرض الإسلام على زوجها مالك من النضر وعلى ابنها أنس، وعلى أبي طلحة عندما جاء لخطبتها وجعلت إسلامه مهرها، ولحقت أم حكيم بنت الحارث بزوجها عكرمة بن جهل وكان قد فر إلى اليمن وحثته على الإسلام والقدوم على النبي" بعد أن أخذت له الأمان، والدعوة إلى الله تعالى ليست عشوائية، وإنما تقوم على العلم والحلم والرفق والصبر مع مراعاة الحكمة وتقدير المصالح والمفاسد·
4- أن تكون مربية:
وظيفة المرأة الأولى هي تربية الأطفال، وهي مهمة عظيمة لمن يحمل رسالة ومبدأ يريد غرسة في أجيال المسلمين، ولا شك أن مهمة الأخت المسلمة الداعية في هذا المجال أعظم إذ إنها قد حصلت من المفاهيم الشرعية والأحكام الدينية ما يجعل مهمتها أسهل ومسؤولياتها أعظم في توصيل هذا العلم لأبنائها وأسرتها·
5- أن تكون قدوة:
قال : "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة، أخرجه أحمد وأبو داود، والسمت هو الهيئة ويطلق على السكينة والوقار، فمراعاة الهيئة الإسلامية والصبغة الخاصة من الحشمة والوقار والسكينة والخلق الرفيع والبعد عن سفاسف الأمور مطلوب شرعا، لأن ذلك من توقير العلم والسنة، ومن أبلغ سبل الدعوة حيث إن كثيرا من الناس يتوقف في قبول الحق حتى يراه واقعا ماثلا أمامه، فالقدوة الصالحة من أعظم وسائل الدعوة كما قال الحسن البصري: عظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك وقال: الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله، وقد جعل الله تعالى رسوله " قدوتنا في كل مجالات الخير، في العبادة والزهد والورع والصبر والشجاعة وحسن الخلق، وهكذا صحابته الكرام من بعده، وهكذا ينبغي أن يكون أتباعه " على مثل هديه وسمته في السكينة والوقار"·
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ مجلة الوعي الإسلامي