تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » رجل عاد بعد الموت -قصة جميلة

رجل عاد بعد الموت -قصة جميلة 2024.

رجل عاد بعد الموت ( الفرصه الأخيره )

خليجية

**منذ صغري وأنا أكره الأماكن الضيقة … هذه الأماكن تجعلني أحس بالاختناق .. لذا كنت – ولا أزال – أهرب منها ، وأبتعد عنها وأنا أرتجف من الضيق ومن الخوف .عندما كبرت علمت أن هذا مرض من الأمراض النفسية … ولكنني لم أستطع الشفاء منه ولا الخلاص من براثنه .ولكن ها أنا ذا أدخل مكانا من هذه الأمكنة الضيقة دون إرادة مني … أدخله مضطرا وعلى رغمي .كانوا قد لفوني ثم وضعوني في تابوت طويل وضيق … كنت أسمع جيدا أصوات من حولي … ومع أنني كنت مغمض العينين ، إلا أنني – بطريقة ما – أستطيع رؤيتهم … كانوا يقولون:يا للمسكين ! … لقد مات في عز شبابه … لقد كانت له آمال عريضة ، وأعمال لم يتمها ولم ينجزها .كانت هناك فعلاً أعمال عديدة لي بقيت ناقصة تنتظر مني إنجازها … فمثلاً لم أستطع بعد فتح محل جيد لابني ، كما لم أنته من دفع الأقساط الأخيرة للسيارة وللتلفزيون الملون ، كما أصبح أملي في إنشاء شركة كبيرة في المستقبل أجمع فيها الأصدقاء خيالا ، ومع أن الشتاء أصبح على الأبواب ، إلا أنني لم أكن قد اشتريت بعد الفحم والحطب لمدفأة البيت ، كما لم أصلح أماكن نضوح المياه في سقف البيت.**وبينما كنت أستعرض في ذهني الأعمال التي بقيت ناقصة تنتظر مني إنجازها فوجئت بصمت يرن في أذني … صوت وجل منه روحي ، ونفذ إلى أعماق عقلي وتردد صداه هناك … كان كأنه صادر عن مكبر للصوت :-لقد فات ذلك وانقضى !وبحسرة قلت في نفسي : (( ليته لم يفت ولم ينقض )) .لا أدري كيف وقع لي ذلك الحادث … كيف وقع مع أنني أجيد قيادة السيارة وبينما كنت أحاول أن أستجمع في ذهني ما حدث أحسست أن أصدقائي يحيطون بي ويحاولون غلق غطاء التابوت الذي أتمدد فيه دون حراك … ومع أنني حاولت أن أصرخ بكل قوتي وأن أنهض من مكاني لأمنعهم من ذلك إلا أنني فشلت وعجزت … إذ لم أستطع لا الحركة ولا التفوه بأي كلمة .بعد قليل جثم عليّ ظلام كثيف … حولت بصري إلى شقوق التابوت التي كان يتسلل عبرها ضوء قليل … وفي فزع لا يوصف قلت لنفسي :-يا إلهي … يا إلهي … ماذا سيكون حالي الآن ؟ … ما العمل ؟**كنت عاجزاً عن التفكير من شدة الفزع .في هذه الأثناء حملت على الأكتاف … وبدأوا يسيرون ببطء … كان التابوت يهتز قليلاً … وكان من الواضح من الأصوات التي كانت تصلني من الخارج أن المطر ينهمر … كان صوت قطرات الماء يختلط مع صوت صرير خشب التابوت .لا شك أنهم الآن في طريقهم إلى الجامع لأداء صلاة الجنازة … عندما خطر ببالي الجامع تذكرت أنه مع كونه قريباً جداً من داري ، وعلى رغم ندائه المتكرر ودعوته للصلاة خمس مرات كل يوم فإنني لم أجد متسعاً من الوقت للذهاب إليه … ولكنني كنت عازماً على البدء بالصلاة عند بلوغي سن الخمسين … الكل يعرف هذا … لقد قلت ذلك مراراً لأصدقائي … نعم كنت سأبدأ بالصلاة ، وكنت سأترك كذلك عاداتي السيئة التي كان الكثيرون يشكون منها .أجل … أجل … لولا هذا الحادث لأصبحت في المستقبل شخصاً جيدا … لولا هذا ا لحادث .ومرة أخرى طرق سمعي ذلك الصوت الذي لا أعرف مصدره .لقد فات ذلك وانقضى .بعد قليل حملت على الأكتاف مرة أخرى … إذن فقد انتهت صلاة الجنازة … وعندما مررنا أمام مقهى محلتنا سمعت الضحكات المرحة لأصدقائي الذين كنت ألعب معهم الورق كل يوم … لا شك أنهم لم يسمعوا بعد بخبر وفاتي .بعد أن بعدت الأصوات وخفتت شعرت من ميل التابوت أنهم يصعدون التل نحو المقبرة … شعرت أن الكفن قد ابتل في عدة مواضع من تسلل قطرات الماء من شقوق التابوت ، إذ كان المطر المنهمر في الخارج قد اشتد … أصخت سمعي للأصوات في الخارج … كان بعض أصدقائي يتحدثون فيما بينهم عن ركود السوق ، بينما كان البعض الآخر يمدح ويثني على فريق المنتخب الوطني في مباراته الأخيرة … بينما همس أحد حاملي التابوت في أذن صاحبه :-أنظر إلى اليوم الذي اختاره صاحبنا ليموت فيه … كانت تصرفاته معكوسة على الدوام في حياته … لقد ابتللنا من الرأس حتى أخمص القدمين يا أخي .لا شك أن هناك خطأ ما … لا شك أن ما أسمعه ليس صحيحاً … و إلا فهل من المعقول أن يتفوه أصدقائي الذين ضحيت كثيراً من أجلهم بمثل هذا الكلام ؟بعد قليل وصلنا إلى المقبرة … أنـزلوا التابوت ووضعوه على الأرض … رفعوا الغطاء … وامتدت الأيادي إلى جسدي الميت ورفعوه وأخرجوه من التابوت … ثم بدأوا ينـزلونه في حفرة تجمعت بعض المياه في قعرها .ومن مكاني الذي سجيت فيه حاولت أن أرى ما حولي … يا إلهي … أليس هذا هو القبر ؟لماذا لم يجل في خاطري حتى الآن أنني سأدخل فيه ؟ … لماذا لم أفكر في ذلك من قبل؟لا أحد يسمع صرخاتي التي أحاول إطلاقها … لا أحد .أهال أصدقائي التراب عليّ … كانوا كمن يتسابقون في ذلك …مرة أخرى بقيت وحدي في الظلام …بقيت في ظلام دامس … وبكل العجز الذي أحسست به … ومن أعماق قلبي بدأت أدعو بحرارة :-يا رب ! … يا رب أما من فرصة أخرى أمامي ؟ اعطني فرصة أخيرة … سأمتثل لجميع أوامرك … سأكون عبداً لك كما تريد … سأكون كما تريد لكي تجعل قبري روضة من رياض الجنة … يا رب !صك أذني ذلك الصوت مرة أخرى وبحدة أكثر :لقد فات ذلك وانقضى .كنت أسمع صوت التراب وهو يرتطم بالألواح التي تغطي تابوتي … كان كل ارتطام يدوي في أذني دوي الرعد … كان كل كياني يرتجف فزعاً وهلعاً .وفي محاولة أخيرة ويائسة تململت من مكاني … وفتحت عيني … كنت في فراشي المريح في غرفتي … كان ذلك كابوسا مريعا … وكان صديقي الدكتور يحاول إيقاظي من الكابوس ويصرخ :لقد فات ذلك وانقضى … انظر … أنت بخير … كان كابوساً … انتهى وانقضى .وببطء استعدلت في فراشي … كان كل جسمي غارقاً في العرق … شعرت كأنني فقدت أرطالا من وزني فجأة … كان المطر ينهمر في الخارج بشدة ، والبيت يهتز من صوت الرعد .وبين النظرات المصوبة إليّ من حولي في دهشة وفضول حاولت أن أستجمع قواي همست في صوت خافت .-حمداً لك … حمداً لك بعدد ذرات كياني … لقد منحتني فرصة أخرى لكي أكون عبداً صالحاً … حمدا لك وشكراً لك يا رب .
من الأدب التركي المعاصر ، الفرصة الأخيرة ،قصص قصيرة ، تأليف الأديب جنيد سعاوي ، ترجمة أورخان محمد علي رحمه الله .

جزاك الله خيرا
الله يعطيـك العافية
قصة مفيدة مؤثرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.