الامتحان الرهيب:
كثيراً ما تعيش البيوت أزمة طاحنة حينما يقترب موعد الامتحانات، تعلَن فيها حالة الطوارأى.. الكل مستنفِر ومستعد.. والجميع في حالة التأهب القصوى..
وهذا جهد مشكور.. وعمل مأجور إذا صلُحت النية.. وخلُص المقصد لله رب العالمين.
ولكن من منا من استعدَّ لذلك الامتحان الرهيب الذي خلقنا الله تعالى من أجله.. وما هي أوجه الخلاف بين الامتحانين؟..
امتحان الدنيا في كتاب معيَّن أو في ضرب من ضروب العلم..
أما امتحان الاخرة ففي كتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها.
قال تعالى:( وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
فالصغائر مكتوبة.. والكبائر مدوَّنة:
(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)
وامتحان الدنيـا في مكان مُعَـدٍّ للامتحان.. الكراسـي مريحـة.. والمكيفات بـاردة..
أما امتحـان الاخرة: فالجـو رهيب.. والموقف عصيب.. الأهوال عظيمة..والقلوب واجفة:
المراقب في امتحان الدنيا مخلوق مثلك..
أما الرقيب على امتحان الاخرة ـ ولله المَثَل الأعلى ـ فهو الذي لا يضل ولا ينسى وقد أحاط بكل شيء علماً.
وامتحان الدنيا النجاح فيه شبه مضمون.. ونسب النجاح عالية..
أما امتحان الاخرة فالناجحون فيه قليل.
والنجاح في امتحان الدنيا يرتقي بالإنسان مرتبة أو يفوز فيه بشهادة.. أما النجاح في امتحان الاخرة ففيه الزحزحة عن النار والدخول إلى الجنة..
(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:
«في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض.. فإذا سألتم الله فسَلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن».
والرسوب في امتحان الدنيا خسارة لدرجة أو تأخر في مرحلة أو مرتبة من دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
أما الرسوب في امتحان الاخرة، فخسارة إلى الأبد: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }.
وفي امتحان الدنيا أسوأ ما يحصل أن يرسب الطالب.. وغالباً ما يكون لديه فرصة أخرى..
أما امتحان الاخرة.. فلا فرصة ثانية ولا كرّة اتية.
عندئذٍ ينادي المفرّط والخاسر: (رَبِّ ارْجِعُونِي.
وعندما يخفقون في الاختبار.. ويدخلون النار ويصلون سعيراً ينادون:
(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)
فيأتيهم التقريع والتوبيخ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}
وينتهي المشهد بقوله تعالى: (فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)
وجزاك الله خيرآ