1 ـ يحدث الحمل نتيجة اتحاد الحيوان المنوي الناضج مع البويضة الناضجة التي تخرج من المبيض اثناء ظاهرة التبويض (في منتصف الدورة الشهرية)… وينمو الغشاء المبطن للرحم أكثر ليحتضن ويغذي الجنين القادم، وبذلك تنقطع العادة الشهرية، ومدة الحمل الطبيعي هي 280 يوماً من أوّل لآخر الطمث، ولكن يوجد خلاف كبير في مدة الحمل… فتكون حوالي 42 أُسبوعاً، فتكون ولادة قبل التمام التي تحدث بعد إتمام 28 أُسبوعاً وقبل إتمام 37 أُسبوعاً ويسمى الولد خديجاً(1)، وولادة جنين كامل النمو تحدث بعد إتمام 37 أُسبوعاً وقبل إتمام 42 أُسبوعاً.
2 ـ أكثر مدة للحمل:
والولادة بعد التمام تحدث بعد 24 أُسبوعاً ولا يوجد موعد محدد للولادة بعد التمام لاَن يوم التقليح غير محدود بالضبط، وفي بعض الاحصائيات تبين أنّه 25% من الحوامل يلدن في الاَُسبوع الثاني والاَربعين (294 يوماً) و12% في الاَُسبوع 43 (301 يوماً) و3% من الحوامل يلدن في الاَُسبوع 44 (308 يوماً).
وكذلك الاِحصائيات تبيّن أنّ وفاة المواليد حول الميلاد تزيد وتتضاعف بازدياد مدة الحمل عن 42 أُسبوعاً لسبب تليف المشيمة، ولذلك يجب التأكد من موعد آخر طمث،واذا تعذر ذلك فالآن يوجد وسائل حديثة لمعرفة عمر الجنين داخل الرحم(1).
وقال طبيب ماهر: التي تقول إنّ زوجها مات، وبعد أربع سنين ولدت، هذا بقدر ما نعلم علمياً محال، ولو ولد بعد أربع سنين لازم الولد ينزل وله اسنان وشعره طويل لاَنه جنين فينمو ويكبر كل يوم… كون المشيمة تخدم أربع سنين لم يعرف هذا ولا يمكن(2).
3 ـ أقل مدّة للحمل:
اذا حدثت الولادة قبل الشهر الثامن يكون ذلك إجهاضاً، لكن في بعض المراكز المتخصّصة لرعاية الاَطفال الخدج يمكن المحافظة والعناية على الاَطفال الخدج حتّى ولو كانوا في ستة أشهر، أو كان وزنهم 800 غرام أو أكثر.
واذا حدث نزيف أثناء الحمل لا يسمى ذلك حيضة، بل سببه إما اجهاض في الشهور الاَُولى للحمل وقبل الاَُسبوع 28 وإما غير ذلك من العوارض(3).
وقال طبيب آخر: إنّ كون أقل الحمل ستة أشهر كلام علمي لا شكّ فيه إذ الآن مع تطور الاَجهزة العلمية الحديثة استطاعوا أن يحتفظوا بهذا الطفل الخديج الذي وصل وزنه إلى 800 غرام، وهذا صحيح لاني رأيت هؤلاء الاَطفال في بريطانيا ان يصلوا عمراً كاملاً من الحياة بهذا الوزن القليل
والذي هو ستة شهور من الحياة(1).
وقال بعضهم: وربما تمكنوا من انقاذ أجنة عمرها عشرون أُسبوعاً أو ما حولها في المستقبل القريب(2).
4 ـ سائل النفاس:
هو عبارة عن الافرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، ويكون عبارة عن دم في أوّل أربعة أيام ثمّ يفتح لونه وتقل كمية الدم حتّى يصبح عبارة عن مخاط لا لون له بعد عشرة أيّام وقد تستمر إلى اربعة أسابيع، فأقل مدة لدم النفاس هي من أُسبوع الى عشرة أيام، وأكثر مدة له هي فترة النفاس أي ستة أسابيع أو 42 يوماً (أي مدة عودة الجهاز التناسلي الى وضعه الطبيعي قبل الحمل(3))، واذا طالت مدة النزيف دلّ ذلك على وجود بقايا من المشيمة ويظل الرحم متضمماً…(4).
أقول: يستلخّص ما نقلناه من الاَطباء في أُمور:
أوّلاً: إنّ مدة الحمل الطبيعي تسعة أشهر وعشرة أيام أو أكثر من عشرة أيام اذا كان بعض الشهور الهلالية التي نقصدها في المقام ناقصةً غير تامة.
ثانياً: أقل مدة الحمل 28 أُسبوعاً بزيادة يوم أو أيام (بعد إتمام 28 أُسبوعاً وقبل إتمام 37 أُسبوعاً) أي ستة أشهر وستة عشر يوماً، بل أكثر ان كان بعض الشهور ناقصاً على قول: وستة أشهر على قول آخر، لكن مع لزوم رعاية طبية وأجهزة حديثة. وتقدم عن بعضهم احتمال انقاذ اجنة عمرها ما يقل عن خمسة أشهر بعشرة أيام، وولادة جنين كامل النمو تحدث بعد 259 يوماً الى 293 يوماً.
وأكثر مدة الحمل ـ حسب مجرد بعض الاحصائيات دون دليل قطعي ـ علمي 308 يوماً (عشرة شهور وثمانية أيام أو أكثر من ثمانية اذا كان بعض الشهور ناقصاً)(1) وأما طول الحمل سنوات فهو غير ممكن.
ثالثاً: إنّ دم الحيض لا يجامع الحمل على قول طبيبة.
رابعاً: إنّ أقل دم النفاس سبعة أيام الى عشرة أيّام وأكثرها 42 يوماً.
وإليك بيان الاَحكام الفقهية المتعلّقة بالمقام في فصول أربعة:
( الاَول ) أكثر الحمل:
وفي صحيح حماد بن عثمان: قلت لاَبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في رجل له أربع نسوة وطلق واحدة منهن وهو غائب عنهن، متى يجوز له ان يتزوج؟ قال: بعد تسعة أشهر وفيها أجلان فساد الحيض وفساد الحمل(2).
أقول: الظاهر من قوله: «بعد تسعة أشهر» أنّه بعدها من الطلاق لامن الدخول بالمطلقة، فلا يستفاد من الرواية أنّ أكثر مدة الحمل تسعة أشهر فقط، فإنّ الحمل من حين الوطء دون الطلاق قطعاً، فتدلّ على أنّ أكثرها :
(1) ثم ان كان المراد من الطمث في قول الطبيبة التي نقلنا كلامها أولاً (من أول يوم لآخر طمث) هو الطمث الذي حبس لاجل الحمل فتزيد المدة في التقديرات المذكورة بأيام آخر فان مبدء الحمل باخصاب البييضة اتفاقاً. وان كان المراد منه الطمث السابق على الحمل فتنقص المدة بأيام كما لا يخفى والظاهر ارادة الوجه الثاني.
أزيد من تسعة أشهر قطعاً.
وفي صحيح ابن الحجاج عن الكاظم (عليه السلام) : اذا طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلاً انتظر بها (انتظرت ـ الجواهر) تسعة أشهر، فان ولدت وإلاّ اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه(1).
استظهر منه صاحب العروة الوثقى رحمه الله أنّ أكثر الحمل سنة(2)، واستظهرنا منه أنّه تسعة أشهر، فلاحظ كتابنا حدود الشريعة(3)، لكنه مبنيّ على عد الاشهر المذكورة من حين الوطء لا من حين ادعاء الحبل وإلاّ لدلت على أن أكثر الحمل أكثر من تسعة أشهر.
قال المحقق الحلي رحمه الله في الشرائع: ولو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل وهو تسعة أشهر (من حين الوطء)، وفي رواية سنة، وليست مشهورة.
ويقول الشارح رحمه الله في جواهره: إلاّ أنك قد سمعت… اختيار المصنّف كونه عشرة لا تسعة… واحسن شيء تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الاَقصى، ففي الغالب عدم تأخره عن التسعة وبذلك حده الشارع في جملة من الاَحكام، وربما بلغ السنة لكنّه من الافراد النادرة التي لا تنافي إجراء الاَحكام على التسعة(4).
أقول: لم تثبت غلبة عدم تأخره عن التسعة ـ لا سيما بملاحظة ما تقدم من قول الاَطباء، ولم يثبت تحديد الشارع بالتسعة أيضاً، ولم يدل دليل معتبر على أنّ أكثره السنة حتّى يحتاج الى ما ذكره من بيان الغالب والنادر، فما ذكره هذا الفقيه الجليل كلّه ضعيف.
(الثاني): في أقل الحمل:
في صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) : اذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فان وضعت لخمسة أشهر فإنه (من) مولاها اعتقها وان وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فانه لزوجها الاَخير(1).
يظهر منه أنّ أقل الحمل ستة أشهر، بناء على عد المدة من حين الوطء لا من حين العتق أو النكاح.
وفي معتبرة العرزمي عن الصادق (عليه السلام) قال: كان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً(2).
وفي رواية غير معتبرة سنداً: ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى بن مريم عليهما السلام (3).
أقول: قد اشتهر أنّ قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)(4) بضميمة قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أنْ يتم الرضاعة)(5) يدلّ على أنّ أقل الحمل ستة أشهر، ويدلّ عليه بعض الروايات غير المعتبرة أيضاً، لكنه محل نظر أو منع، فإنّه لا دليل على وجوب الاِرضاع حولين كاملين بل قوله تعالى: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) يدلّ عل عدمه، بل في الجواهر (ج31 ص276): لا خلاف في جواز الاقتصار على أحد وعشرين شهراً فيحتمل أنه تسعة أشهر! بل لا بدّ أنْ يكون كذلك، وإلاّ لكان الاكثر هو الولادة عن ستة أشهر؛ ولا يخفى ضعفه، فإنّ المستفاد من الآية المباركة نظارتها إلى الاَفراد الغالبة دون النادرة جزماً، لكن قوله تعالى: (ووصينا الانسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن وفصاله في عامين) (لقمان 14) يصلح قرينة على أنّ المراد بالحمل في قوله: (وحمله وفصاله) ستّة أشهر. لكن يحتمل أنّ الفصال في هذه الآية محمول على المرتبة الكاملة المستحبة، ولا يفسر قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)، فافهم المقام ولا منافاة بين كون أقل الحمل ستة أشهر وبين ما ذكره الاَطباء من عدم بقاء المولود من دون رعاية طبية مفقودة في أوائل الاسلام، فان نظر الطب الى الغالب ولا إحاطة له بجميع الاَفراد والحالات النادرة جزماً.
(الثالث) جمع الحيض مع الحمل وعدمه:
عدم الجمع ـ كما ذكرته طبيبة على ما سبق ـ هو أحد الاَقوال في الفقه، ذهب إليه المحقّق في الشرائع، ونقله صاحب الجواهر عن المفيد وابن ادريس، ويدل عليه بعض الاَحاديث.
وعن المشهور صحة الحيض مع الحمل، ويدلّ عليه جملة من الاَحاديث المعتبرة، وعن جماعة من الفقهاء تقييد جمعهما بما اذا رأت الحامل الدم في العادة أو مع التقدم قليلاً، لا ما اذا تأخّر عنها عشرين يوماً، ويدلّ عليه حديث الحسين بن نعيم الصحاف، والكلام في المقام طويل، واذا حملنا الاَحاديث الدالة على صحّة الحيض مع الحمل على الفرد غير الغالب ترتفع المنافاة بينها وبين الطب إنْ أثبت عدم الجمع بطريق علمي كما ذكرنا في سابقه، أو يحمل الروايات على أن الدم المذكور في أيام الحمل وان لم يكن دم حيض إلاّ أنّه محكوم باحكامه، فافهم.
(الرابع): أقل النفاس وأكثره:
ففي فقهنا أنّه لاحد لقليله، فيجوز أن يكون لحظة وأكثره عشرة أيام كما عن المشهور، وعن جمع أنّه 18 يوماً، وعن ابن أبي عقيل أنه 21 يوماً ولا منافاة بين قول المشهور ما نقلناه عن بعض الاَطباء إنْ صح علمياً، لامكان أنّ الشارع إنّما رتّب أحكامه على ماله لون الدم كما في الاَيام العشرة، لا على ما لا لون له.
فائدة مهمة
قال بعض الاَطباء الماهرين: لا تعتبر الحيضة الواحدة دليلاً على براءة الرحم… فنزول دم مرة بعد مرة أُخرى قد يحدث من رحم حامل.
أقول: وهذا من أحد الدلائل على جعل العدة ثلاثة قروء، فافهم واغتنم.