ام يوسف
الغضب أنواع وأسباب وعلاج من القرآن والسنةتتقاذفنا أمواج الحياة المتلاطمة السريعة المتلاحقة , وأحيانا يتصرف معها المرء بحكمة , وأحيانا أخرى يغلب عليه غضبه وانفعاله في تصرف من الممكن أن يكون لا يستحق الغضب .
لذا علينا دائما الرجوع إلى ديننا وتعاليمه ووصايا الله عز وجل لنا في كتابه العزيز, وكذلك وصايا الرسول لنا في سنته المطهرة .
فكم من الآيات والأحاديث والمواقف التي تحثنا على الصبر والحلم وعدم الغضب .
بل هناك من الأحاديث الصحيحة ما دعانا لعدم الغضب عندما طلب صحابي الوصية فقال له رسول الهدى لا تغضب .
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أوصني، قال: لا تغضب، فردّد مراراً، قال: لا تغضب. (رواه البخاري ومسلم)
ما هو الغضبهو حالة نفسية، تبعث على هياج الإنسان و ثورته قولاً أو عملاً، وهو مفتاح الشرور و رأس الآثام.
وقال أحدهم :
الغضب: هو تصرف لا شعوري وانفعال يهيج الأعصاب ويحرك العواطف ويعطل التفكير ويفقد الاتزان
ويزيد في عمل القلب ويرفع ضغط الدم ويزداد تدفقه على الدماغ وتضطرب الأعضاء
ويظهر ذلك بجلاء على ملامح الإنسان فيتغير لونه وترتعد فرائسه وترتجف أطرافه
ويخرج عن اعتداله وتقبح صورته ويخرج عن طوقه
فاٍن لم يكبح جماح نفسه تفلت لسانه فنطق بما يشين من الشتم والفحش بما يندم عليه
ولات ساعة مندم , وامتدت يده لتسبقه إلى الضرب والعنف والقتل .
الصنف الأول:سريع الغضب سريع الرضى
هذا الصنف من الناس لا يحسن إدارة ذاته ونفسه، وكلمة واحدة تؤثر فيه ويتفاعل معها ثم بكلمة أخرى يهدأ ويرضى , وهذا الصنف يؤذي في التعامل ولا يعرف الطرف الآخر كيف يتعامل معه باستمرار، بل مزاجه متقلب وقد يغضب من كلمة اليوم، ولو قيلت له بعد أسبوع قد لا يغضب فهو حسب حالته النفسية يغضب ويرضى.2 – بطيء الغضب بطيء الرضى:* أسباب الغضب : :
قال الغزالي في الأحياء : الأسباب المهيجة للغضب هي
الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه
وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب
فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها
( الإحياء 3/172 ).
وقال المقدسي : " من أسباب الغضب
الحسد، والحرص، فمتى كان العبد حريصاً على شئ، أعماه حرصه وأصمه،
وغطى نور بصيرته التي يعرف بها مداخل الشيطان .
وكذلك إذا كان حسوداً فيجد الشيطان حينئذ الفرصة،
فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته،
وإن كان منكراً أو فاحشاً .
( المقدسي : مختصر منهاج القاصدين 3/1).
* آثار الغضب وأضراره : :
آثار الغضب وأضرار كثيرة ، منها ما فيه إضرار بالنفس ومنها ما فيه إضرار بالآخرين .
فمن الأضرار التي تقع على النفس :
ما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب وهو أمر خطير كما يصف الأطباء كتجلّط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره . نسأل الله العافية .
* علاج الغضب ::
لم تدع لنا الشريعة شيء في هذه الحياة الدنيا إلا وارشدتنا إلى كيفية التعامل معه واجتناب اضراره والحد من ما يعود على النفس والمجتمع بالدمار والهلاك والتفكك في نسيج الأمة الواحدة , وقد اخبرنا الشرع من خلال الكتاب والسنة بالحلول النافعة التي لو اتبعناها ما غضبنا أو على أقل تقدير حجمنا من مضاره
وورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان : :
قال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )
( الأعراف 200 -201 ) .
وقال : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(36) سورة فصلت.
وعن سليمان بن صرد قال :كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه واتفخت أوداجه ( عروق من العنق )
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ،لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ( رواه البخاري )
وقال صلى الله عليه وسلم :" إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه "( صحيح الجامع الصغير )
2- السكوت : :
( رواه الإمام أحمد)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا غضب أحدكم فليسكت "
وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين .
3- التغيير من الهيئة: :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
راوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ،
حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له
فجاء قوم
فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟
فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه
والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض
فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض
وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع
فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟
قال فقال :" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم …. وذكر الحديث بقصته في( مسند أحمد ) .
قال العلامة الخطابي – رحمه الله – في شرحه على أبي داود :
( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهمافيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد . والله أعلم ( سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن )
4- تذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب : :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضبفردّد ذلك مراراً ، قال لا تغضب ( رواه البخاري فتح الباري 10/456 ) .
5- تذكر ثواب من يكظم غيظه : :
قال تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت: 34- 36].
ومن صفات المؤمنين المتقين :
{ ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }
6- تذكر فضل الحلم والعفو : :
قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (37) سورة الشورى.
وعن علي بن الحسين قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من الناس
فيقال انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة قالوا قبل الحساب
قالوا نعم قالوا من أنتم قالوا أهل الفضل قالوا وما كان فضلكم قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا
وإذا ظلمنا صبرنا وإذا أسى علينا غفرنا قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين
7_ تذكر ترك الغضب يضمن لك الجنة
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال: (( لا تغضب ولك الجنة )).
ولا ننسى الوضوء عند الغضب فهو يطفيء نار الشيطان
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )).
وفي الختام تذكري اختي المسلمة ما كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
( اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا،والقصد في الفقر والغنى )
هكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب
أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ،فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب ( رواه البخاري )
الغضب أنواع وأسباب وعلاج من القرآن والسنة
سلوى المغربيام يوسف